الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)
.تفسير الآيات (28- 32): لما فرغ كلام شعيب قرره موسى عليه السلام وكرر معناه على جهة التوثق في أن الشرط إنما وقع في ثمان حجج، و{أيما} استفهام نصبه ب {قضيت} وما صلة للتأكيد، وقرأ الحسن {أيْما} بسكون الياء، وقرأ ابن مسعود {أي الأجلين ما قضيت}، وقرأ الجمهور {فلا عُدوان} بضم العين وقرأ أبو حيوة {فلا عِدوان} بكسر العين، والمعنى لا تبعة علي من قول ولا فعل، والوكيل الشاهد القائم بالأمر، قال ابن زيد: ولما كمل هذا النكاح بينهما أمر شعيب موسى أن يسير إلى بيت له فيه عصيّ وفيه هذا العصا، فروي أن العصا وثبت إلى موسى فأخذها وكانت عصا آدم وكانت من عير ورقة الريحان، فروي أن شعيباً أمره بردها ففعل وذهب يأخذ غيرها، فوثبت إليه، وفعل ذلك ثالثة، فلما رأى شعيب ذلك علم أنه يرشح للنبوءة فتركها له، وقيل إنما تركها له لأنه أمر موسى بتركها، فأبى موسى ذلك فقال له شعيب: نمد إليها جميعاً فمن طاوعته فهي له، فمد إليها شعيب يده فثقلت، ومد إليها موسى فخفت ووثبت إليه، فعلما أن هذا من الترشيح، وقال عكرمة: إن عصا موسى إنما دفعها إليه جبريل ليلاً عند توجهه إلى مدين، وقوله تعالى {فلما قضى موسى الأجل}، قال سعيد بن جبير سألني رجل من النصارى أي الأجلين قضى موسى، فقلت لا أدري حتى أقدم على حبر العرب أعني ابن عباس، فقدمت عليه فسألته، فقال قضى أكملهما وأوفاهما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال وفى فعدت فأعلمت النصراني، فقال صدق هذا والله العالم، وروي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل في ذلك جبريل فأخبره أنه قضى عشر سنين، وحكى الطبري عن مجاهد أنه قضى عشراً وعشراً بعدها. قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف وفي قصص هذه الآية أن موسى عليه السلام لما قضى الأجل أراد أن يسير بأهله إلى مصر بلده وقومه وقد كان لا محالة أحس بالترشيح للنبوءة فسار وكان رجلاً غيوراً لا يصحب الرفاق، فلما جاء في بعض طريقه في ليلة مظلمة مردة حرة قال النقاش كانت ليلة جمعة فقدوا النار وأصلد الزند وضلوا الطريق واشتد عليهم الخصر، فبينا هو كذلك إذ رأى ناراً وكان ذلك نوراً من الله تعالى قد التبس بشجرة قال وهب كانت عليقاً وقال قتادة عوسجاً. وقيل زعروراً، وقيل سمرة، قاله ابن مسعود و{آنس} معناه أحسن والإحساس هنا بالبصر ومن هذه اللفظة قوله تعالى: {فإن آنستم منهم رشداً} [النساء: 6] ومنها قول حسان: [المنسرح] وكان هذا الأمر كله في {جانب الطور} وهو جبل معروف بالشام، و{الطور} كل جبل، وخصصه قوم بأنه الذي لا ينبت فلما رأى موسى النار سر فقال لأهله أقيموا فقد رأيت ناراً {لعلي آتيكم منها بخير} عن الطريق أين هو {أو جذوة} وهي القطعة من النار في قطعة عود كبيرة لا لهب لها إنما هي جمرة ومن ذلك قول الشاعر: [ابن مقبل]: [البسيط] قال القاضي أبو محمد: وأحسب أن أصل الجذوة أصول الشجر وأهل البوادي أبداً يوقدونها، فتلك هي الجذوة حقيقة، ومنه قول السلمي يصف الصلى: [الطويل] وقرأ الجمهور {جِذوة} بكسر الجيم، وقرأ حمزة والأعمش {جُذوة} بضمها، وقرأ عاصم {جَذوة} بفتحها، وهي لغات والصلى حر النار، و{تصطلون} تفتعلون منه أبدلت التاء طاء، فلما أتى موسى عليه السلام ذلك الضوء الذي رآه وهو في تلك الليلة ابن أربعين سنة نبئ عليه السلام، فروي أنه كان يمشي إلى ذلك النور فكان يبعد منه تمشي به الشجرة وهي خضراء غضة حتى {نودي}، والشاطئ والشط ضفة الوادي، وقوله: {الأيمن} يحتمل أن يكون من اليمن صفة للوادي أو للشاطئ، ويحتمل أن يكون المعادل لليسار فذلك لا يوصف به الشاطئ إلا بالإضافة إلى موسى في استقباله مهبط الوادي أو يعكس ذلك وكل هذا وقد قيل، وبركة البقعة هي ما خصت به من آيات الله تعالى وأنواره وتكليمه لموسى عليه السلام، والناس على ضم الباء من بُقعة، وقرأ بفتحها أبو الأشهب، قال أبو زيد: سمعت من العرب: هذه بَقعة طيبة بفتح الباء، وقوله تعالى {من الشجرة} يقتضي أن موسى عليه السلام سمع ما سمع من جهة الشجرة، وسمع وأدرك غير مكيف ولا محدد، وقوله تعالى {أن يا موسى} يحتمل أن تكون {أن} مفسرة ويحتمل أن تكون في موضع نصب بإسقاط حرف الجر، وقرأت فرقة {أني أنا الله} بفتح {أني}، ثم أمره الله تعالى، بإلقاء العصا، فألقاها فانقلبت حية عظيمة ولها اضطراب الجانّ وهو صغير الحيات فجمعت هول الثعبان ونشاط الجانّ، هذا قول بعضهم، وقالت فرقة: بل الجانّ يعم الكبير والصغير وإنما شبه ب الجان جملة العصا لاضطرابها فقط، وولى موسى عليه السلام فزعاً منها، {ولم يعقب}، معناه لم يرجع على عقبه، من توليه فقال الله تعالى {يا موسى أقبل} فأقبل وقد آمن بتأمين الله إياه، ثم أمره أن يدخل يده في جيبه وهو فتح الجبة من حيث يخرج رأس الإنسان، وروي أن كم الجبة كان في غاية الضيق فلم يكن له جيب تدخل يده إلا في جيبه، وسلك معناه أدخل ومنه قول الشاعر: [البسيط] وقوله تعالى: {من غير سوء} أي من غير برص ولا مثلة. وروي أن يده كانت تضيء كأنها قطعة شمس، وقوله تعالى: {واضمم إليك جناحك من الرهب} ذهب مجاهد وابن زيد إلى أن ذلك حقيقة، أمره بضم عضده وذراعه وهو الجناح إلى جنبه ليخف بذلك فزعه، ومن شأن الإنسان إذا فعل ذلك في أوقات فزعه أن يقوى قلبه، وذهبت فرقة إلى أن ذلك على المجاز والاستعارة وأنه أمره بالعزم على ما أمر به وأنه كما تقول العرب اشدد حيازيمك واربط جأشك، أي شمر في أمرك ودع الرهب، وذلك لما كثر تخوفه في غير ما موطن قاله أبو علي، وقوله تعالى {فذانك برهانان} قال مجاهد والسدي: هي إشارة إلى العصا واليد، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والناس {الرَّهَب} بفتح الراء والهاء، وقرأ عاصم وقتادة {الرهْب} بسكون الهاء، وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر وعاصم أيضاً {الرُّهْب} بضم الراء وسكون الهاء، وقرأ الجحدري {الرُّهُب} بضم الراء والهاء، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {فذانّك} بشد النون، وقرأ الباقون {فذانك} بتخفيف النون، وقرأ شبل عن ابن كثير {فذانيك} بياء بعد النون المخففة، أبدل إحدى النونين ياء كراهة التضعيف، وقرأ ابن مسعود {فذانيك} بالياء أيضاً مع شد النون وهي لغة هذيل، وحكى المهدوي أن لغتهم تخفيف النون، و{برهانان}، حجتان ومعجزتان، وباقي الآية بين. .تفسير الآيات (33- 39): كان موسى عليه السلام قد امتحن بمخاوف فطلب شد العضد بأخيه {هارون} لأنه كان فصيح اللسان سجيح الخلق، وقرأ الجمهور {ردءاً} بالهمز، وقرأ نافع وحده {رداً} بتنوين الدال دون همز وهي قراءة أبي جعفر والمدنيين وذلك على التخفيف من ردء، والردء الوزر المعين والذي يسند إليه في الأمر، وذهبت فرقة إلى أنها من معنى الزيادة كما قال الشاعر [القرطبي]: [الطويل] وهذا على ترك الهمز وأن يكون وزنه فعلا، وقرأ الجمهور {يصدقْني} بالجزم وذلك على جواب {فأرسله}، وقرأ عاصم وحمزة {يصدقني} أي مصدقاً فهو صفة للردء أو حال، وشد العضد استعارة في المعونة والإنهاض، وقرأ الحسن بضم العين {عضُد}، وقرأ عيسى بن عمر بفتح العين والضاد، والسلطان، الحجة، وقوله: {بآياتنا} يحتمل أن تتعلق الباء بقوله: {ونجعل لكما} أو ب {يصلون} وتكون باء السبب، ويحتمل أن تتعلق بقوله: {الغالبون} أي تغلبون بآياتنا، والآيات هي معجزاته عليه السلام، ولما كذبوه ورموه بالسحر قارب موسى عليه السلام في احتجاجه وراعه تكذيبهم فرد الأمر إلى الله عز وجل وعول على ما سيظهره في شأنهم وتوعدهم بنقمة الله تعالى منهم، وقرأ ابن كثير {قال موسى} بغير واو، وقرأ غيره وجميع السبعة {وقال} بواو، وقرأ الجمهور {تكون} بالتاء، وقرأ حمزة والكسائي {يكون} بالياء على التذكير إذ هي بمنزلة العاقب فهي كالصوت والصيحة والوعظ والموعظة، واستمر فرعون في طريق مخرقته على قومه وأمره {هامان} بأن يطبخ له الآجر وأن يبني له {صرحاً} أي سطحاً في أعلى الهواء، وليس الصرح إلا ما له سطح، ويحتمل أن يكون الإيقاد على الطين كالبرامي، وترجى بذلك بزعمه أن يطلع في السماء، فروي عن السدي أنه بناه أعلى ما يمكن ثم صعد فيه ورمى بالنبل فردها الله تعالى إليه مخضوبة بالدم ليزيدهم عمى وفتنة، فقال فرعون حينئذ: إني قتلت إله موسى، ثم قال: {وإني لأظنه من الكاذبين} يريد في أن موسى أرسله مرسل، فالظن على بابه وهو معنى إيجاب الكفر بمنزلة التصميم على التكذيب، وقرأ حمزة والكسائي ونافع {لا يَرجِعون}، وقرأ الباقون والحسن وخالد {لا يرجعون} بضم الياء وفتح الجيم. .تفسير الآيات (40- 43): {نبذناهم} معناه طرحناهم، ومنه نبذ النواة ومنه قول الشاعر: وقوم فرعون وإن كانوا ساروا إلى البحر ودخلوه باختيارهم فإن ما ضمهم من القدر السابق السائق هو نبذ الله تعالى إياهم فيه، و{اليم} بحر القلزم في قول أكثر الناس، وقالت فرقة: كان غرقهم في نيل مصر والأول أشهر، وقوله تعالى: {وجعلناهم أئمة يدعون} عبارة عن حالهم وأفعالهم وخاتمتهم، أي هم بذلك كالداعين إلى النار وهم فيه أئمة من حيث اشتهروا وبقي حديثهم، فهم قدوة لكل كافر وعات إلى يوم القيامة، و{المقبوحين} الذي يقبح كل أمرهم قولاً له وفعلاً بهم، قال ابن عباس: هم الذي قبحوا بسواد الوجوه وزرق العيون، {ويوم} ظرف مقدم، وقوله تعالى: {من بعد ما أهلكنا القرون الأولى} إخبار بأنه أنزل التوراة على موسى بعد هلاك فرعون قومه وبعد هذه الأمم التي قد تقدم ذكرها من عاد وثمود وقرية قوم لوط وغيرها، والقصد بهذا الإخبار التمثيل لقريش بما تقدم في غيرها من الأمم، وقالت، فرقة: إن الآية مضمنة أن إنزال التوراة على موسى هو بعد أن رفع الله تعالى عذاب الأمم فلم تعذب أمة بعد نزول التوراة إلا القرية التي مسخت قردة، فيما روي، وقوله: {بصائر} نصب على الحال، أي طرائق هادية، وقوله تعالى: {لعلهم يتذكرون} أي على ترجى البشر وما يعطيه تأميل من أمل الأمر، وروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال: ما أهلك الله تعالى أمة بعذاب منذ أنزل إلى الأرض غير القرية التي مسخت قردة وهم الذي تعدوا في السبت، وهذا التعذيب من سبب شرع موسى فكأنه لا ينقص فضيلة التوراة برفع العذاب عن الأرض. .تفسير الآيات (44- 46): المعنى ولم تحضر يا محمد هذه الغيوب التي تخبر بها ولكنها صارت إليك بوحينا أي فكان الواجب أن يسارع إلى الإيمان بك ولكن تطاول الأمر على القرون التي أنشأناها زمناً زمناً فعزبت حلومهم واستحكمت جهالتهم وضلالتهم، و{قضينا} معناه أبعدنا وصيرنا، و{الأمر} يعني النبوءة، وقالت فرقة: يعني ما أعلمه به من أمر محمد صلى الله عليه وسلم. قال القاضي أبو محمد: وهذا تأويل حسن يلتئم معه ما بعده من قوله: {ولكنا أنشأنا قروناً}، والثاوي المقيم، وقوله: {وما كنت بجانب الطور} يريد وقت إنزال التوراة إلى موسى. وقوله تعالى: {إذ نادينا}، روي عن أبي هريرة أنه نودي يومئذ من السماء يا أمة محمد استجبت لكم قبل أن تدعوني وغفرت لكم قبل أن تسألوني، فحينئذ قال موسى عليه السلام: اللهم اجعلني من أمة محمد، فالمعنى {إذا نادينا} بأمرك وأخبرنا بنبوتك وقوله: {رحمة} نصب على المصدر أو مفعول من أجله، وقوله: {لكن} مرتبط بقوله: {وما كنت} أي {ولكن} جعلناك وأنفذنا أمرك قديماً {رحمة من ربك} أو يكون المعنى {ولكن} أعلمناك ونبأناك {رحمة} منا لك وإفضالاً، وقرأ الناس {رحمةً} بالنصب، وقرأ عيسى {رحمة} بالرفع، ويريد بالقوم الذين لم يأتهم نذير معاصر به من العرب، وباقي الآية بين، وقال الطبري: معنى قوله: {إذ نادينا} بأن سأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل.
|